مجلة الفتح
في عام 1926 التقى مجموعّة من الشباب المسلم المتحمّس في دار المطبعة السلفية في شارع خيرت في القاهرة، منهم: محب الدين الخطيب، و أحمد تيمور باشا، و أبو بكر يحيى باشا، و عبدالرحمن قراعة، و السيّد محمد الخضر حسين، و علي جلال الحسيني، و غيرهم من الشباب المسلم الذي ذهبت نفسه حسرات على ما آل إليه الحال في أرض الكنانة من عدوان سافر على ثوابت الأمة و هويّتها العربية الإسلامية، و آلمه الضعف الذي اعترى المسلمين فمنعهم من الدفاع عن دينهم . فتمخّض هذا الإجتماع عن إنشاء جمعية لمقاومة هذه الإنحرافات و مجالدة المفسدين بالحجة و البيان .
و بعد إنشائها بأشهر بدا لهم أن الجمعية بحاجة إلى صحيفة تعبّر عن رأي هذه الجمعية، و تساهم في توصيل أفكارها لأكبر شريحة من الرأي العام و لا سيّما الشباب المثقف المسلم. لكن الحصول على إمتياز صحيفة إسلامية في ظل تلك الظروف كان أشبه بالمستحيل، بيد أن الأستاذ الجليل " أحمد تيمور باشا " رحمه الله بذل جهوداً طيبة و مشكورة لا ستصدار امتياز مجلّة، فوُفّق في هذا السبيل، و أصدرت تلك المجموعة مجلّة أُطلِق عليها اسم: " الفتح "، و صدر أوّل عددٍِ منها في يوم 29 ذي القعدة من عام 1344 هـ، الموافق 10 يونيو 1926 م، و تسلّم رئاسة التحرير فيها الشيخ الأزهري عبدالباقي سرور، ثم بعد ذلك تولى دفّتها الأستاذ محب الدين الخطيب رحمهما الله حتى إغلاقها.
و كانت المجلّة في موضوعاتها و مادّتها الإعلامية سيفاً مصلتاً في نحور دعاة الغزو الفكري و التغريب و التنصير و الإستشراق، هذا إلى جانب اهتمامها بأحوال المسلمين في كل مكان، فسدّت بذلك ثغرةً كبيرةً رغم إمكانياتها المتواضعة، و ضيق هامش الحرية الممنوح لها.
فكانت مجلة " الفتح " بحق منبراً حراً أصيلاً لا نظير له، بفضل الروّاد و العمالقة من أمثال: أحمد محمد شاكر، و أخيه: محمود، و شكيب أرسلان، و مصطفى صادق الرافعي، و شيخ الإسلام في الدولة العثمانية: مصطفى صبري، و محمد الخضر حسين، و علي الطنطاوي، و تقي الدين الهلالي، و غيرهم ممن طرّزوا حواشي هذه المجلة بإبداعاتهم، و آثارهم القيّمة.
استمرت مجلة الفتح في مسيرتها الميمونة حتى عام 1366 هـ، الموافق 1948 م، و كان سبب توقّفها هو موجة التضييق على العمل الإسلامي التي سادت مصر بعد هزيمة 1948 أمام اليهود، فنال مجلة الفتح ما نال غيرها من الأذى و الإغلاق و المصادرة، و جفّ مدادها بعد اثنين و عشرين عاماً من الجهاد الثقافي المتميّز الذي لا نجد وصفاً له أفضل و أصدق من وصف الأستاذ " مصطفى السباعي " رحمه الله، إذ قال: " و ما كنا نتصل بالفتح حتى بدأنا نعرف واجبنا في الحياة كشبّان مسلمين، و أخذنا ندرك خطر ما يبيته الإستعمار من وسائل الكيد للمسلمين، و تأجّجت في أفئدتنا نار الحمية لدين الله، و النقمة على أعدائه، و شعرنا بأن الفتح هو همزة الوصل بيننا و بين أقطار الإسلام ".
ويضم أرشيف مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي أعداد مجلة الفتح، ابتداءاً من العدد الاول الصادر بتاريخ 10 يونيو من عام 1926م، الى العدد رقم 800 الصادر بتاريخ 25 مايو من عام 1943م.