تقرير لجنة سياسات التعليم في الأردن 1987 (إدراك التأخر)
تقرير لجنة سياسات التعليم في الأردن 1987 (إدراك التأخر)
تقديم: أ.د علي محافظة
تتناولُ الطبعة الأولى من كتاب "تقرير سياسات التعليم في الأردن 1987 (إدراك التأخُّر)"، الصادر عن مركز التوثيق الملكي الهاشمي الأردني في عمّان، سياساتِ التعليم في الأردن لعام 1987، والكتابُ من إعداد وتقديم المؤرِّخ الأردني المخضرم الأستاذِ الدكتور علي محافظة، ويتضمَّنُ تقديمًا منَ الأستاذ الدكتور مهند مبيضين، رئيسِ مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي.
يُستهلُّ الكتابُ بمدخل حولَ تحديث التربية والتعليم في الأردن ولجنة سياسة التعليم في العام 1987، كما يتضمَّنُ مُلَخَّصًا لتقرير لجنة سياسة التعليم في الأردن، الصادرِ في كانون الثاني من عام 1987، وينقسمُ إلى جزأين رئيسين؛ يُرَكِّزُ أَوَّلُها على الواقع التربوي، بينما يتناولُ ثانيهُما السياسةَ التربويَّة.
يُعَدُّ الكتابُ منَ الوثائق المهمَّة في تاريخ الأردن العام للقرن العشرين، ومن أهم الوثائق المتعلِّقة بالمؤسسة التعليميَّة الأردنيَّة، وهو يكشفُ عن الوعي الحاضر في الدولة وأهميَّة تحديث المؤسسة التعليميَّة الأردنيَّة وتطويرها ومعالجة التحديات التي تواجهها، إضافة إلى إدراك التأخُّر الذي أصابها معَ مرور الزَّمن والعوامل التي تؤثِّرُ في التقدُّم الإنساني، التي تتجاوزُ واقعَ عام 1987.
يعملُ تقريرُ لجنة سياسات التعليم في الأردن لعام 1987 على توفير كَمٍّ كبير منَ المعلومات للمهتمين والدارسين والباحثين في مجال التربية والتعليم، كما تساعدُ الوثيقةُ على فهم تطوُّر العمليَّة التعليميَّة في الأردن والتحديات التي تواجهها، إضافة إلى تأثيرات التغيُّرات التَّقَنِيَّةِ والديمغرافيَّةِ والتكنولوجيَّةِ الإداريَّة والاجتماعيَّة. وعليه، فإنَّ الكتابَ يُمَثِّلُ محاولةً جادَّةً ومؤسَّسةً لفهم التأخُّر وضرورة تجاوزه في نظام التعليم لدينا.
يبتدئُ مدخلُ الكتاب، الذي خَطَّهُ الأستاذُ الدكتور علي محافظة، بعنوان "إصلاح التربية والتعليم في الأردن"، مُتَوّقِّفًا فيه على دور سموِّ الأمير الحسنِ بنِ طلالٍ في إصلاح العمليَّة التعليميَّة في الأردن خلالَ العقدين الثامن والتاسع منَ القرن العشرين، ويستذكرُ مرافَقَتَهُ للأمير في زيارة أجراها سُمُوُّهُ لجامعة مؤتة سنة 1985، وَمُشيرًا إلى أنَّ الأميرَ سألَهُ يومَها عن رأيه في مستوى التعليم، ليجيبه المحافظة بقلقه عليه مقارنةً بمستواه في الدول المتقدِّمة، مستدركًا ما يترتَّبُ على ذلك من نتائجَ خطيرةٍ على مستوى البلد. ويشرحُ المحافظة في مدخل الكتاب كيف أنَّ حوارَهُ معَ الأمير أسفرَ عن عقد سُمُوِّهِ اجتماعًا في وزارة التخطيط بعد أسبوعين، مقترحًا عددًا منَ الخبراء لتطوير التعليم في الأردن، وحين سأل سُمُوُّهُ محافظة عن رأيه في الأسماء المقترحة أجاب؛ "لا يحرثُ البلادَ إلى عجولها"، دلالةً على أنَّ الخبراءَ الأجانبَ لن يكونوا الخيارَ الأفضلَ لفهم منظومة الأردن التعليميَّة وتحديثها. بعدها بأسبوع دعا سُمُوُّ الأميرَ المحافظةَ مرَّةً أُخرى، وفي هذه المرة حضرَ اللقاءَ الدكتور ناصر الدين الأسد وزير التعليم العالي آنذاك في حكومة زيد الرفاعي، وكان الاجتماع بدايةً رؤيةً أميريَّةً لاختيار أعضـاء اللجنـة الأردنيـَّة لإصـلاح التعلـيم العـام والعالي. وبالفعل، جرى اختيارُ أعضاء اللجنـة، وقـال سـمّوه آنذاكَ إنَّـُه سيتَّصِـُل بـرئيس الحكومـة لاستصدار قرار منه بتأليف اللجنة وتحديد مهامِّها. وبناءً عليه، أصدَرَ رئيسُ الوزراء في 44/ 12/ 1985 كتابًا نصَّ على تأليف اللجنة علـى النَّحـو الآتي: الـدكتور علي محافظة (مُقَرِّرًا)، والدكتور عمر الشيخ، والدكتور فريد أبو زينة، والـدكتور لـويس مقطـش، والـدكتور سـحبان خليفـات، والـدكتورة أميمـة الـدَّهان، والدكتور زياد فريـز، والدكتور أحمد البشايرة، والدكتور منذر المصري، والدكتورة عدويَّة العلمي، والـدكتور علي الزغل، والدكتور بسام الساكت، أعضاء، وحدَّدَ الكتابُ مهامَّ "لجنة سياسـة التعلـيم في الأردن" بوضـع التصـوُّرات والمنطلقـات والركـائز السياسـيَّة التـي تؤلِّـفُ بمجموعهـا السياسةَ التعليميَّةَ في الأردن، تمهيدًا لمناقشتها في المجالس التخصصيَّة. ويضيف المحافظة أنَّ اللجنة شرعت في عقد اجتماعاتها في مساء الخميس من كلِّ أسبوع في مكتـب ارتبـاط جامعـة مؤتـة آنـذاك الواقـع خلـف قصـر زهـران. ويسهب المحافظة في مدخل الكتاب بشرح آليات العمل وحيثياته وأوقاته وطرائقه، التي اتَّبَعَتها اللجنة، ويشيرُ إلى الجهد الذي بَذَلَهُ سُمُوِّ الأمير الحسن، الذي كان مُكَمِّـلًا لعمل اللجنة ويوازيه، كما ذكرَ جولات سُمُوِّهِ على مدارس المملكة، التي رافقَهُ فيها مصطحبًا معه وزيرَ التربية والتعليم وبعضَ أعضاء اللجنـة، ثم ينتقلُ محافظة إلى الحديث عن التقرير الأولي الذي وضعته اللجنةُ عام 1986م حولَ النتائج التي توصَّلت إليها، وحولَ التقرير الأوَّلِيِّ يذكرُ الدكتور المحافظة الاجتماعَ الذي عُقِدَ في مبنى وزارة الطاقة قربَ الدوار السابع في جبل عمّان لعـرض نتـائجه بحضـور الملـك الحسـين والأميـر الحسـن ولـيِّ العهـد آنـذاك ورئـيس الوزراء زيد الرفاعي ووزيري التعليم العالي والتربية والتعليم وكبار موظفي الوزارتين وأعضـاء لجنـة سياسة التعليم ورئيسيِّ الجامعة الأردنيَّة وجامعة اليرموك والقائد العام للجيش ورئـيس هيئة الأركان وبعض الوزراء، ويسهبُ المحافظة بأنَّهُ شرح أعمالَ اللجنة والنتائج، مضيفًا أنَّ بعـض الحضور لم يكن راضيًا عن فكرة إصلاح التربية والتعليم، مشيرًا إلى سيادة الأحكامُ العُرفيَّة في تلك الفترة، وإلى أنَّ الحديث عن ديمقراطيَّة التعليم لم يتناسب معَ بعضهم. وعليه، فقد سألَ الملكُ المحافظة عن المقصود بديمقراطيَّة التعليم، الذي يُقصَدُ به بحسب المحافظة أنَّ التعليم يجب أن يكون للأردنيين كافَّةً على اختلاف أصولهم ومنابتهم وفئاتهم الاجتماعيَّة. قد واصـلت اللجنـةُ عملَهـا، واختـارت عـددًا مـن أسـاتذة الجامعـات الأردنيَّة الثلاث لبحـث المسائل المُتَعَلِّقَةِ بالتعليم العـالي، والوقوف على مختلـف جوانـب الحيـاة الجامعيـَّة وبيـان نقـاط قـوتها وضـعفهـا، واقـتراح الحلول لمعالجة الخلل.
يستكملُ المحافظة في مدخل الكتاب قائلًا إنَّ تقريرَ لجنةِ التعليمِ النهائيَّ صدرَ في كـانون الثـاني سـنة ١٩٨٧، وتكوَّنَ مـن جـزأين: تنـاول أوَّلُما الواقـعَ التربـويَّ والتعليمـيَّ في مختلـف مراحـل التعلـيم؛ أي التعلـيم قبـل المدرسة (رياض الأطفال) والتعليم العام، ويشمل: التعليمَ الإلزامي، والتعليمَ الثـانوي، وما يواجهه من مشكلات وحاجات، والإدارة التربويَّة ومشكلاتها، والخطط الدراسيَّة، والمنــاهج والكتــب المدرســيَّة ومــا فيها مــن ضــعف ونقــائص، والتقــويم التربــوي والامتحانــات، والأبنيــة المدرســيَّة والمرافــق التابعــة لهــا، ووضــع المعلِّمــين في هــذه المراحل الدراسيَّة من حيثُ التحصيلُ العلميُّ والتدريبُ والكفاية. أما جزؤه الثاني فتضمَّنَ السياسةَ التربويَّة الجديدة، التي تشمل مرتكـزات السياسـة التربويـَّة وأهـدافها، ومضـمونها الـذي يحتـوي علـى البنيـة التعليميـَّة والمنـاهج التربويَّة والتقويم التربوي والامتحانات والمعلِّم والأبنيـة المدرسـيَّة والتخطـيط والإدارة التربويَّة والتمويل، واحتوى هذا الجزءُ على سُبُلِ تنفيذ هذه السياسة التربويَّة. وفي هذا السياق يشيرُ المحافظة إلى الخطـة الجديـدة تضـمَّنت بنـاءَ مـدارس في مختلـف أنحـاء المملكـة لتحـلَّ محـلَّ المدارس المُستأجَرَة غيرِ الصالحة في السنوات العشر التالية، ثمَّ يتطرَّقُ المحافظة إلى دور الأمير الحسن اللافت؛ حيث استلم رئيسُ الوزراء التقريرَ ثم أحاله إلى وزير التربية والتعليم السيِّدِ ذوقان الهنـداوي وإلى وزير التعليم العالي الدكتور ناصر الدين الأسد لدراسته والإفادة منـه، وكـان يمكـن لهذا التقرير أن يلقـى ذات مصـير الإهمـال كغيـره مـن التقـارير والدراسـات السـابقة لـولّا تدخُّل سُمُوِّ الأمير الحسن، الذي طلـبَ مـن وزيـر التربيـة والتعلـيم عـرضَ التقريـر علـى مجلس التربية والتعليم في الوزارة، وقد جرى عــرضُ التقريـر علـى المجلـس المـذكور بحضـور سُمُوِّ الأمير وحضور المحافظة؛ حيثُ ذكرَ المحافظة أنَّ أولى جلسات مناقشة التقرير في 18/ 2/ 1987 كانت صاخبةً جدًّا.
والجديرُ بالذِّكر في هذا المقام أنَّ المجلـسَ ضمَّ وزراءَ التربيـة والتعلـيم السـابقين وبعـضَ القيـادات الدينيـَّة المُتَزَمِّتة التـي عَدَّت التقريرَ إنقاصًا من جهدها السابق وإدانة لسياساتها التربويَّة السابقة، ويضيفُ محافظة أنَّ تـدخُّلَ الأمير كان مهمًّا؛ حيث أشار إلى أنَّ الغاية من التقرير ليست الإساءة إلى أحد وإنما النهوض بالتربية والتعليم لتواكبَ روحَ العصر، وأنَّ الأمين العام لـوزارة التربيـة والتعلـيم عضـوٌ في اللجنـة التـي وضـعت التقريـر، وأنَّ الأميـر يُكِنُّ التقديرَ والاحترامَ لمن ساهموا في المسيرة التربويَّة الأردنيَّة، ثمَّ يستكملُ الحديثَ عن مُخرجات التقرير والنقاشات التي دارت واللجان التي تشكَّلت، ويذكر أنَّ عضويتَهُ انتهت في مجلس التربية والتعليم عام 1989 بعد أن انتهت خدمتَهُ رئيسًا لجامعة اليرموك، وعن عودته للمجلس عام 1990 بعد أن أصبح رئيسًا للجامعة نفسِها، ويشيرُ إلى أنه كـان مـن المفـروض أن يتـابع المجلـسُ تنفيـذَ قرارات مؤتمر التطوير التربوي الذي عُقد سنة ١٩٨٧، غيـرَ أنـه لـم يفعـل ذلـك، ثمَّ يتطرَّقُ إلى التعليم العالي الـذي كان هو عضوًا فيه منذ سنة ١٩٨٥ حتى نهاية سـنة ١٩٩٣، بحكـم كـونه في هـذه المـدة الزمنيَّـة رئيسًا لجامعة مؤتـة ثمَّ اليرمـوك علـى التـوالي، وكيف ألَّفَ مجلسُ التعليم العـالي فريـقَ عمـل لسياسـة التعلـيم العـالي برئاسـته وعضـويَّة الدكتور فوزي غرايبة والدكتور محمد حمدان والدكتور فكتور بلة، وكانت مَهَمَّـُة هـذا الفريق النظرَ في التوصيات الواردة في تقرير لجنـة السياسـة التعليميـَّة الجديـدة الصـادر في كانون الثاني ١٩٨٧، وتقديم مقترحات بشأن تنفيـذها علـى مسـتوى الجامعـات الأردنيـَّة وكليات المجتمع، ثم يسهبُ المحافظة في تفاصيل اللجان ويقدِّمُ معلوماتٍ عن آلية عملها وعن تطوُّر التعليم والتغيُّرات التي طرأت عليه وعن العلاقة بين الفئات المختلفة من البلاد وتداخلها مع التعليم، وفي نهاية مدخل الكتاب يسأل المحافظة: كيف لنا أن نلحق بالأُمم والدول المتقدِّمة علميًّا وَتَقَنِيًّا ونحن في هذه الحال من التخلُّف واللامبالاة؟ ثمَّ يعلِّقُ المحافظة على حاجتنا اليوم إلى إصلاح عمليَّة التعليم بفقرة نَصُّها "ليست عمليَّةُ الإصلاح في هذا الميدان سهلة؛ إنَّها تحتاج إلى خـبراء وكفايـات مميـَّزة في ميـدان التربيـة والتعلـيم، وتحتـاج إلـى سـنوات متواصـلة مـن العمـل الجـادِّ والمتابعـة الدقيقة والكثيفة، مثلما تحتاج إلى دعم ومسـاندة مـن مختلـف فئـات المجتمـع الفاعلـة المؤمنة بالإصلاح والتحديث والقـوى السياسـيَّة والاجتماعيَّة المؤيِّدة لـه والمتحمِّسـة، وأعتقـد أنَّـُه في وضـعنا الـراهن لا بُـدَّ من أن يكـون جلالـةُ الملـك أو سُمُوُّ وليِّ العهد المحرِّكَ لعمليَّة الإصلاح التربـوي، وبغيـر دعمهمـا وتـدخُّلهما المباشـر والمتواصـل لـن يتحقق ما نرجوه من تقدُّم ونهوض لبلدنا".
وينشرُ الكتابُ أسماءَ الأعضاء في لجنة سياسة التعليم في الأردن المؤلَّفةِ بموجب قرار رئيس الوزراء المؤرَّخ في 11/12/ 1985، التي كان مقرُّرها الأستاذ الدكتور علي محافظة. وتكوَّنت من 12 عضوًا، كما يُضَمِّنُ الصفحة اللاحقة صورة من كتاب تشكيل اللجنة الصادر عن رئاسة الوزراء.
بعد المدخل، ينتقلُ الكتابُ إلى مُلَخَّصِ تقرير "لجنة سياسة التعليم في الأردن" كانون الثاني 1987، الذي يتألَّفُ من جزأين يناقش فيهما المشكلاتِ والنتائجَ التي تختصُّ بكلِّ الشؤون التعليميَّة، أولهما: الواقع التربوي في مراحل التعليم المختلفة، وهي التعليم قبل المدرسة (رياض الأطفال)، ثم التعليم العام، ويندرج في التعليم العام بحسب التقرير التعليم الإلزامي، والتعليم الثانوي، والإدارة التربويَّة، وخطط الدراسة والمناهج والكتب المدرسيَّة، والتقييم التربوي والامتحانات، كما يتطرَّقُ التقريرُ إلى وضع الأبنية والمرافق المدرسيَّة، ثمَّ ينتقلُ إلى مرحلة التعليم التَّقَنِي (كُليّات المجتمع)، ليخوضَ بعدها في مرحلة التدريس الجامعي، والتشريعات والإدارة الجامعيَّة، والدراسات العُليا، والبحث العلمي، ثمَّ يُعَرِّجُ على دور الجامعات في المجتمع، والطالب الجامعي ومفاهيمه وإشكالياته.
أما الجزء الثاني من التقرير، فهو: السياسة التربوية الجديدة، وتسعى إلى توفير نوعيَّة تعليميَّة للناشـئة الأردنيـين تُمَكِّـُنُهم من العيش في مجتمع القرن الواحد والعشرين بكفاءة وفاعليَّة، وإلى المواءمة بـين النظـام التعليمـي وحاجـات المجتمـع الأردني الراهنـة والمسـتقبليَّة، وتحسـين التعلـيم وتجويده، وتقوم هذه السياسة على مرتكـزات فكريَّـة ووطنيـَّة وقوميَّـة واجتماعيـَّة مُستَمَدَّةٍ مـن تراثنا الإسلامي والقومي، ومن أهداف الثورة العربيَّة الكبرى، ودستور الـبلاد، والتجرِبـة الوطنيَّة الأردنيَّة بأبعادها السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. أما مضمونُ السياسة التربويَّة "الجديدة"، بحسب التقرير، فهي البنية التعليميَّة، وهناك شرحٌ عن مسوغاتها متبوعًا برسم توضيحي يُبَيِّنُ السُّلَّمَ التعليميَّ المقترح، ثم يتطرَّقُ التقريرُ إلى المناهج التربويَّة فيقسمها إلى خمسةِ محاورَ أساسيَّة، هي التعليم قبل المدرسة، والتعليم الأساسي، والتعليم الثانوي، والتعليم التَّقَنِي، والتعليم الجامعي، ثم يدورُ التقرير حولَ محور التقييم التربوي والامتحانات وتطوير برنامج فعال للتقييم التربوي في المدارس والمؤسسات التعليميَّة، ويذهب للبحث فيما يخصُّ المعلِّمَ والمتطلَّبات المسلكيَّة والأكاديميَّة التي تحتاج إليها مهنةُ التعليم، ثمَّ يبحثُ في الأبنية المدرسيَّة والتخطيط والإدارة التربويَّة وتمويل التعليم، ثمَّ ينطلقُ للإفصاح عن سُبُلِ تنفيذ ما ورد في السياسة التربويَّة الجديدة، وذلك عبر طرح التقرير للنقاش على مجلس التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي، إضافة إلى عقد مؤتمر وطني تُمَثَّلُ فيه مختلفُ القطاعات التربويَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وَتَوَلِّي لجنة الصياغة المنبثقة عن "لجنـة سياسـة التعلـيم في الأردن" إعـادة النظـر في التقريــر وصــياغته، يلي ذلك رفع لجنة الصياغة التقريرَ بعد إجراء التعديلات عليه إلى دولة رئيس الوزراء، التي تُقِرُّهُ ثمَّ توصي بإعادة النظر في قانون التربية والتعليم رقم ١٦ لعام ١٩٦٤ وقانون التعليم العـالي وقوانين الجامعات الأردنيَّة والتشريعات التربويَّة المتفرِّعة عنها، وذلـك في ضَـوء السياسة التربويَّة الجديدة، ثم تُشَكِّلُ لجنةً عامة لمتابعة تنفيذ السياسة التربوية، وبعدها تضع وزارتــا التربيــة والتعلــيم العــالي ومؤسسة التدريب المهنــي والجامعـات خُطــطًا تنفيذيـَّةً تفصــيليَّةً لتنفيـذ جوانـب تلك السياسـة المتعلِّقة بها.
بعد ذلك، يخوضُ الكتابُ في تفاصيل تقرير لجنة سياسة التعليم في الأردن الصادر في كانون الثاني 1987، وذلك بشرح مفصَّلٍ عن جميع المحاور والجزئيات التي جرى ذكرُها سابقًا في مُلَخَّصِه، لكن بإيراد معلومات وبيانات وأرقام أكثر. وقد جرى تقسيم التقرير -كما ذكر سابقًا- إلى جزأين رئيسين؛ أولهما الواقع التربوي، وَقُسِّمَ إلى أربعة محاور رئيسة، هي: ما قبل المدرسة، والتعليم العام، والتعليم التقني، والتعليم الجامعي، تطرَّقَ إليها متضمِّنًا تفاصيلَ وبياناتٍ ومعلوماتٍ، ومتوقِّفًا على مشكلاتها وَسُبُلِ تطويرها وتحسينها.
أما الجزء الثاني فيحوي تفصيلًا دقيقًا للسياسات التربويَّة التي ذُكِرَت في ما سبق، لكن يجري تحليلُها والتطرُّقُ إليها بشكل مفصَّل ودقيق، وَقُسِّمَت إلى أربعةِ محاورَ رئيسةٍ، هي: مرتكزات السياسة التربويَّة، وأهدافها، ومضمونها، وَسُبُل تنفيذها.
خاتمة المُلَخَّص:
يُعَدُّ هذا الكتابُ إضافةً مهمَّةً للمكتبة الأردنيَّة؛ فهو ليس وثيقةً علميَّةً فقط، بل يمكن اعتباره كبسولة زمنيَّة تحوي داخلَها ذاكرةً تُظهرُ وعيَ الدولة والحكم، كما تشهدُ على جهود أردنيَّة حقيقيَّة عملت بشكل دؤوب للنهوض بالتعليم الأردني، وتطوير العمليَّة التربويَّة والتعليميَّة، وبذل جميع الوسائل المُتاحة لجعل الأردن أُنموذجًا تعليميًّا. كما يحمل الكتابُ في طيّاته حيثياتٍ تاريخيَّةً ولمحةً حولَ آليات اتِّخاد القرارات وكيفيَّة صياغتها، ويتوقَّفُ على دور الهاشميين المهم في إدارة دفَّة التقدُّم، ويظهر ذلك بشكل جليٍّ من خلال قرارات سُمُوِّ الأمير الحسن بنِ طلال، الذي كان يؤمنُ -وما زال للآن- بأهميَّة التعليم للنهوض بهذه البلاد وبأهميَّة القوة العاملة الأردنيَّة، وهذا يتَّضِحُ في تفاصيلَ ذكرَها الدكتور علي محافظة ودوَّنها في مقدِّمته للكتاب، التي حوت مجريات اجتماعات سمو الأمير وزياراته، التي رافقه محافظة فيها. إضافة إلى كلِّ ما سبق، فإنَّ هذا الكتابَ يُعَدُّ أساسًا مهمًّا لكلِّ باحث ومهتمٍّ بالتعليم والتطوير في الأردن؛ إذ تحملُ صفحاتُهُ بياناتٍ مهمَّةً وأرقامًا وإحصائياتٍ يمكنُ الإفادة منها في تحسين جودة التعليم الأردني عبرَ إنشاء أساليب جديدة تُستخلصُ من البيانات الواردة في الكتاب؛ إذ وفَّـرت وثيقةُ لجنـة سياسـات التعلـيم في الأردن لعـام ١٩٨٧ للمعنيـين بتـاريخ التربية والتعليم ودارسيه الكثيرَ من المعلومات والمعطيات التي يمكن من خلالها تفسيرُ مصائر المسألة التربويَّة الأردنيَّة والتبصُّر في مآلاتها بالنظر إلى الواقع الراهن وتطوراته التقنيَّة وانعكاساته الديمغرافيَّة والتكنولوجيَّة والإداريَّة والاجتماعيَّة. كما يُعَدُّ هذا الكتابُ أرشيفًا علميًّا لفترة حملت الكثيرَ للعالم؛ سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، ومثَّلَت تَحَدِّيًا كبيرًا للأردن وللعالم كُلِّه؛ إذ تغيَّرَ وجهُ العالم وبدأت العولمة، وكان للجهود التي جرى ذكرُها في الكتاب دورٌ كبيرٌ في السماح للأردن بالعبور إلى القرن الواحد والعشرين بسلاسة عبرَ تأسيس أساليب تربويَّة وتعليميَّة استطاعت مزج المفاهيم الوطنيَّة مع مفاهيم الانفتاح العالميَّة الجديدة. وها هو الأردن يدخلُ مِئوِيَّتَهُ الثانيةَ ضمنَ تطوُّرٍ مستمرٍّ ورؤيةٍ هاشميَّةٍ مستمرَّةٍ تجاه التعليم والتربية وتطويرهما.
ويظهرُ من خلال سطور الكتاب أنَّ رمزَ الأردن ومؤرِّخَهُ الكبيرَ الأستاذَ الدكتور علي محافظة ما زال يحملُ على عاتقه تطويرَ الأردن وبناء مستقبل واعد له، ولا زال هذا الهدفُ نُصبَ عينيه يُقدِّمُ من أجله علمَهُ وَعُمرَه؛ فالنُّصحُ والنقدُ البنّاء بعين المُحبِّ يظهرُ جَلِيًّا في مقدِّمته التي خطَّها قَلَمُه. كما لا يخفي المحافظة إيمانَهُ العميقَ بالهاشميين، خاصَّةً جلالة الملك وسمو ولي العهد؛ حيث أشار إلى أنَّهُما الأقدر على الحفاظ على منجزات الأردن في قطاع التعليم، وتطوير العمليَّة التعليميَّة في المستقبل القريب. كما أشار الدكتور علي محافظة في كتابه إلى أنَّ الإصلاح التربوي كان مرتبطًا وبتبنٍّ مباشر من رأس الحُكم الملك الحسين والأمير الحسن ولي عهده، واليوم نحن نشهد الأمرَ نفسَه، فكما بدأ في أوله من رأس الحُكم فهو اليوم كذلك؛ فالذي يتبنَّى الإصلاح التربوي هو الملك عبدُالله الثاني ووليُّ عهده الأميرُ الحُسينُ بنُ عبدالله.