فاكهة الخوان في نظم أعلى درر البيان
فاكهة الخوان في نظم أعلى دُرَرِ البيان" للعلّامة المُحَقِّق الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي (1295- 1363هـ)
حَقَّقَهُ وَعَلَّقَ عليه: بشار عواد معروف
أصدرَ مركزُ التوثيق الملكي الأردني الهاشمي في عام 2014 كتابَ "فاكهة الخوان في نظم أعلى دُرَرِ البيان" للعلّامة المُحَقِّق الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي (1295- 1363هـ)، الذي حَقَّقَهُ وَعَلَّقَ عليه الدكتور بشار عواد معروف. ويتناول الكتابُ مبادئَ علم البيان والبلاغة العربيَّة من المجاز والكناية والتشبيه والاستعارة، وَيُعَدُّ كنزًا معرفيًّا للباحثين والمهتمين بأمور اللغة العربيَّة، ومرجعًا مهمًّا تَزخَرُ به المكتبةُ العربيَّة.
وقد كان مؤلِّفُ الكتاب وأخوه الشيخ محمد الخضر على صِلة وثيقة بالأشراف الهاشميين عامة، وبالشريف الملكِ عبدِاللهِ بنِ الحُسَين مؤسِّسِ المملكة الأردنيَّة الهاشميَّة وأنجاله -طيَّبَ اللهُ ثراهُم- خاصَّةً، وكان الشيخُ محمد الخضر الشنقيطي منَ الرِّجال الذين استصحبهم المغفورُ له الملكُ عبدُاللهِ الأوَّلُ عندما قَدِمَ الأردنَّ أوَّلَ مرَّةٍ سنةَ 1920م، وحينما تألَّفت الوزارةُ الأولى في تاريخ الإمارة، في الحادي عشر من نيسان سنة 1921م، من ثمانية أشخاص كان الشيخُ محمد الخضر أحدَهُم؛ إذ تولّى منصبَ قاضي القضاة، وحينما شُكِّلَت الوزارةُ الثانيةً في الخامس من تموز 1921 من سبعة أشخاص احتفظ الشيخُ محمد الخضر بمنصبه، وفي الوزارة الثالثة التي شُكِّلَت عُيِّنَ الشيخُ الخضر مستشارًا للأمور الشرعيَّة إلى حين إلغاء هذه المستشاريَّة في تشرين الثاني من العام 1921.
وقد كان وَلَدُهُ سماحةُ الشيخ محمد الأمين بن محمد الخضر، الذي توفي - رحمه اللهُ- سنة 1410ه،ـ من رجالات الأردن البارزين، ؛ إذ عُيِّنَ وزيرًا للمعارف وقاضي القضاة وكان عضُوًا في لجنة الوصاية على العرش، إضافة إلى أنه كان سفيرًا.
ورغم أنَّ الشيخ محمد حبيب الشنقيطي، مؤلِّف الكتاب الذي بين أيدينا، توفي في القاهرة فقد أبقى حبلَ وصالٍ طيِّبًا مع الأردن؛ إذ استمرَّت صِلَتُهُ وثيقةً بالمغفور له الملك عبدِالله الأوَّل، وكان قد ألَّفَ كتابَ "كفاية الطالب لمناقب علي بن أبي طالب" بناءً على تكليف من الملك عبدِالله المؤسِّس سنة 1353هـ، وَنَصَّ في خاتمته على الآتي:
"فقد كان من أسباب جمعي لها في هذه العجالة المحرَّرة بما صحَّ وتحرَّر عند أهل السُّنَّة المُطَهَّرة، إشارة صاحب الهمَّة العليَّة، والأداب الحميدة السَّنِيَّة، من رفل في أجمل أثواب الشَّرف، وتبوَّأ منها أعالي الغُرف، ودخل إلى بيوت المجد من جميع الأبواب، وافتضَّ أبكار المكارم وكشف عنها كل نقاب، ذي السُّمُوِّ الملكي والشَّرف العالي إلى مُنتهاه الشَّريفِ الفائق الأمير عبدِالله، ابنِ سَيِّدِنا الشَّريفِ الملكِ الحُسَينِ بنِ علي، رحمه اللهُ وجعلَ ذُرِّيَّتَهُ في أكمل مقام عَليّ؛ فهو الذي حَرَّكَ عزمي لجمع أشتات هذه المناقب، وإن كانت في الظهور كالنجم الثاقب، فأنجزها الله ُتعالى بأكمل التهذيب والتحرير، في هذا الحجم النافع الصغير. جعلها اللهُ من أعمالنا المقبولة عنده بجاه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وأصحابه الكرام، وكان الفراغُ منها ضحوةَ يوم الأحد، التاسعِ والعشرين من جمادى الأولى، سنةَ ثلاث مئة وثلاث وخمسين بعد الألف، من هجرة بعثة الله تعالى على أكمل وصف، رسولنا وشفيعنا عند ربنا محمد رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وكل مَن بإحسان تلاه، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رَبِّ العالمين".
وقد كانت صِلَتُهُ قويَّةً بنجليه الكريمين الشريفين: الملكِ طلالٍ والأميرِ نايف، طيَّبَ اللهُ ثراهما، بحيث أهدي هذا الكتابَ في نسختين إلى الأمير نايف، رحمه الله، وكتب على نسخته الأولى بخطه:
"هدية لسموِّ الأمير نايف لا زال أهلًا للمعارف منها ناظمها خادم السُّنَّةِ محمد حبيب الله الشنقيطي".
وفي النسخة الثاني أيضًا يذكر أنه إهداء إلى سموِّ الأمير المعظم الشريف نايف الهاشمي، وموقَّع من قبل الشيخ محمد حبيب الله بتاريخ 26 شعبان 1359هـ.
ونظرًا إلى ما في هذا الكتاب من فائدة فقد رغب سموُّ الأمير علي بن نايف -حفظه الله- في إعادة نشره، وَجَعَلَهُ أحدَ منشورات مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي؛ حتى تَعُمَّ فائدته من جهة وتكريمًا لمؤلِّفِهِ العالمِ الجليل من جهة ثانية. وفي مقدِّمته للكتاب يذكرُ مُحَقِّقُهُ الدكتور بشار عواد معروف نبذةً عن ناظم الكتاب؛ إذ يعنونُها بترجمة لناظم، وَيُسهِبُ فيها بذكر صفات الكاتب الشنقيطي كما يأتي:
هو الإمامُ العلّامةُ المُحَدِّثُ المُقرِئُ اللُّغَوِيُّ الشيخُ محمد حبيب الله بنُ عبدِالله بنِ أحمدَ المُلَقَّبِ ما يأبى -لُقِبَ بذلك لكرمه وسخائه، فكان لا يردُّ سائلًا ولا يأبى- ابنِ عبدِالله بنِ محمد بنِ الطالب علي بنِ المختار بنِ الحبيب بنِ عبدِالله بنِ محمد بنِ علي بنِ يرزق بنِ محمد بنِ الحسن بنِ يوسف بنِ أكرير بنِ علي بنِ جاكن الأبر، وجاكن هذا هو الذي تُنسَبُ إليه القبيلةُ الجنكيَّةُ في شنقيط.
ويستكمل وصف الناظم للكتاب بذكر أنَّ الشيخ محمد حبيب الله وُلِدَ في قرية تكبة من بلاد شنقيط شمال موريتانيا سنة 1295هـ ودخل الكُتّابَ وَتَعَلَّمَ قراءةَ القُرآن، ورسمه على يد المقرئ محمد الأمين بنِ محمود بنِ الحبيب الجكني، ودرس الفقه المالكيَّ فبرع فيه، ثم ارتحل إلى مراكش وفاس، واشتغل هناك بقراءة العلوم فبرع، وحصلت صحبة بينه وبين السلطان عبد الحفيظ سلطان المغرب آنذاك (ت. 1356هـ)، ثم هاجر إلى المدينة وأقام فيها عِدَّةَ سنين، وانتقل بعدها إلى مكَّةَ المكرَّمَةِ مُدَرِّسًا في المسجد الحرام، ثم رحلَ إلى القاهرة سنة 1344هـ لِيُعَيَّنَ مُدَرِّسًا للحديث الشريف بكليَّة أُصول الدين بالأزهر الشريف وبالمسجد الحسيني، وكان يتمنّى أن يعود إلى المدينة المنوَّرة ليموتَ فيها وَيُدفَنَ في تربها.
أمّا الكتابُ الموصوفُ هنا فهو كتابه "فاكهة الخوان في نظم أعلى دُرَرِ علم البيان"، ويتناولُ مبادئَ علم البيان والبلاغة العربيَّة من المجاز والكناية والتشبيه والاستعارة، وينقسم إلى ثلاث أبواب وفصول هي الآتية:
يبتدئ الكتابُ بالمقدِّمة التي ذُكِرَ في أعلاهُ بعضُ ما وردَ فيها، ثم ينتقلُ إلى خطبة النظم ومقدِّمة تشتمل على نوعين؛ أوَّلهما في مبادئ علم البيانِ العشرة، وثانيهما في تقسيمه من أوَّله إلى آخره إلى "المجاز، والتشبيه، والكناية". ثم يبدأ الكتاب ببابه الأول، وعنوانه: في ذكر أقسام المجاز الثلاثة، وهي: المجاز في الإسناد، والمجاز في المفرد، والمجاز في المركَّب.
والقسم الأول من هذا الباب هو في المجاز في الإسناد، وله تتمَّةٌ في انقسام قرينة المجاز العقلي إلى: لفظيَّة، ومعنويَّة، أمَّا القسم الثاني ففي المجاز المفرد، وَتُذكَرُ فيه الاستعارةُ غيرُ التمثيليَّة في خمسة فصول، هي الآتية:
1- من فصول الاستعارة في تقسيمها بالذات إلى: تصريحيَّة، ومكنيَّة، وتخييليَّة.
2- في بيان المذاهب في المكنيَّة، ويتبع هذا القسم تَتِمَّة.
3- في بيان المذاهب في قرينة المُكنيَّة.
4- في تقسيم الاستعارة إلى أصليَّة وتبعيَّة.
5- في تقسيم الاستعارة مُطلقًا من حيث ما يُعرض لها إلى: مُرشَّحةٍ، ومجرَّدة، ومطلقة.
وأمّا القسم الثالث فعنوانه: في المجاز المركَّب، وهو مبحث في الاستعارة التمثيليَّة، ثم خاتمة في الحث على الاعتناء بإجراء الاستعارة وأسمائها، وبيان طَرَفَيْها، وشبه ذلك.
ثم ينتقلُ الكتابُ إلى فصل عنوانه: في الحثِّ على الاعتناء بإجراء الاستعارة، فيذكر أنَّ الأصوليين يطلقونها على كل مجاز، وَيُبَيِّنُ انَّ المجاز والاستعارة موجودان في القرآن، وشبه ذلك. يتبعه فصلٌ في بيان الفرق بين الاستعارة والكذب بالقرينة، وبينها وبين التشبيه بذكر الطرفين فيه دونها، ونحو ذلك. ثم فصل عنوانه في حدِّ قرينة الاستعارة وأنواعها وبيان معنى العلاقة، سواء كانت لها أو للمجاز المُرسَل، وشبه ذلك. ثم فصل في مراتب أنواع المجاز في الحُسن، وبعده فصل في مُحَسِّنات الاستعارة، يليه فصلٌ عنوانه: في بيان المجاز بالزيادة أو الحذف، وتغيُّر الإعراب بسبب ذينك.
ينتقل بعدها الكتابُ إلى بابه الثاني، وعنوانه: في التشبيه، وبيان أركانه وأقسامه ووجهه ومبحثه وحد الدلالة مُطلقًا وذكر دلالة التضمين ودلالة الالتزام المذكورتين في فن البيان ثم اركان التشبيه وما يتعلق بها وتقسيم التشبيه باعتبار ذكر أركانه أو حذفها إلى: ضعيف، وقوي، ووسط. يليه تقسيم طرفي التشبيه إلى: حسيين، وعقليين، ومختلفين، ثم تقسيم التشبيه باعتبار طرفيه إلى أربعة أقسام مع التقييد أو الإطلاق في المفردين أو اختلافهما، لِيَنتَقِلَ بعدَها إلى تقسيم التشبيه باعتبار تعدُّد طرفيه إلى أربعة أقسام؛ تعريف وجه الشبه وانقسامه إلى خارج عن حقيقة الطرفين وغير خارج عنها، وانقسام وجه التشبيه إلى ثلاثة أقسام إجمالًا وسبعة تفصيلًا، وانقسام التشبيه باعتبار وجهه إلى تمثيل وغيره، وانقسام التشبيه باعتبار وجهه أيضًا إلى مُجمَلٍ وَمُفَصَّل، يليه انقسام التشبيه باعتبار وجهه إلى قريب مبتذل وغريب بعيد، ثم انقسام التشبيه باعتبار أدائه إلى مؤكد ومرسل، ويذكر التشبيه البليغ في قسم المؤكد منه، يلحقه انقسام التشبيه باعتبار الغرض منه إلى مؤكد ومرسل، ويذكر التشبيه البليغ في قسم المؤكد منه، بعده يذكر انقسام التشبيه باعتبار الغرض منه إلى مقبول، ومردود، ثم يتطرق إلى الغرض من التشبيه، ويقع في أمور منها ما يعود للمُشبه وهو الغالب، ومنها ما يعود للمشبه به، ويذكر ما يعود للمشبه به من أغراض التشبيه، وهو نوعان، ثم خاتمة للباب الثاني من الكتاب عنوانها "في بيان أنَّ أصل الاستعارة: التصريحيَّة والمكنيَّة التشبيه"؛ فهما متفرِّعتان عنه وإن قُدِّمَتا عليه، وإنما أُخِّرَ عنهما لقصد استقصاء فروعه الكثيرة وفوائده الخطيرة.
ثم الباب الثالث والأخير من الكتاب، وعنوانه؛ في الكناية وأقسامها؛ أمثلتها ومُحسنها وما تأتي له من الأغراض، وفيه تفاوت أقسام الكناية في الأبلغيَّة، وجعل ما يصح بعدها كنايتين وما أُلحق به، ثم تقسيم السكاكي للكناية إلى: تلويح ورمز وإشارة وإيماء وتعريض، ينتقل بعدها إلى حد التعريض اللفظي مع حدِّه بالمعنى المصدري، ثم يبتدئ بفصل عنوانه: فيما يحسن الكناية والمجاز المرسل، يليه فصل فيما تأتي له الكناية من الأغراض.
وَيُختَتَمُ الكتابُ بخاتمة، نسأل الله تعالى حُسنها؛ تقاريظُ أكابر علماء الأزهر الشريف لهذه المنظومة المُسَمّاة "فاكهة الخِوان في نظم أعلى دُرَرِ علم البيان".